لماذا تواجه مكاتب المحاماة صعوبة في جذب العملاء؟
وفق أحدث الدراسات التي أجريت على سوق الخدمات القانونية، اتضح أن %73 من الأفراد يلجأون للإنترنت للبحث عن محامٍ. وفي ظل التوسع في قطاع الخدمات القانونية وتزايد المنافسة بين مكاتبها، بات بناء قاعدة العملاء أحد أهم الركائز التي يجب على مكاتب المحاماة التركيز عليها. فهناك فجوةٌ بين الطلب الكامن على الخدمات القانونية والقدرة الفعلية للمكاتب على تحويل هذا الطلب إلى تعاقدات فعلية.
تأتي هذه الفجوة من سمات الخدمات القانونية، فهي غير ملموسة ولا يمكن أن يعرف العميل مدى فعاليتها ما لم يستشر محاميًا ويبدأ بالإجراءات القانونية حتى يجد النتيجة.
بجانب هذه الإشكالية تأتي عدة أخطاء تسويقية أبرزها؛ التقليل من قيمة التسويق لمكاتب المحاماة، تكرار الرسائل العامة، إهمال متابعة العملاء بعد انتهاء التعاقد، وكتابة رسائل تسويقية غير مناسبة للعملاء.
في هذا العدد من النشرة نُعالج هذه الإشكالية عبر تحليل يهدف إلى:
- توضيح سمات الخدمات القانونية التي تجعل تسويقها أكثر صعوبة من غيرها.
- توضيح الأخطاء التسويقية الشائعة التي تعمل بها مكاتب المحاماة
- تقديم حلول عملية قابلة للقياس تُمكن مكاتب المحاماة من صياغة عرض ذا قيمة.
- سمات الخدمات القانونية التي تجعل تسويقها أكثر صعوبة من غيرها
تتميز الخدمات القانونية بخصائص تجعل عملية تسويقها أكثر تعقيدًا من تسويق السلع والخدمات الأخرى؛ فالعميل لا يستطيع معاينة جودة الخدمة قبل إبرام العقد، ولا يتبين له أثرها إلا بعد صدور حكمٍ قضائي أو إتمام صفقة، وهذا قد يطيل مدة اتخاذ القرار.
كما تعد الخدمة القانونية سلعة ثقة (Credence Good)، إذ يعاني العميل من فجوة معرفية مقارنة بالمحامي، فيعجز عن تقييم الكفاءة أو التخصص المطلوب دون مؤشرات خارجية، مثل شهادات العملاء أو الاعتماد المهني.
بجانب أن غالبية القضايا القانونية تتسم بـتداعيات مالية وشخصية عالية المخاطر؛ فخطأ واحد قد يكلف العميل حريته أو ثروته، الأمر الذي يفاقم حساسيته تجاه السعر ويزيد حاجته إلى ضمانات موثوقة.
وأيضًا يخضع التسويق القانوني لقيود أخلاقية وتشريعية تشترط الشفافية وتحظر المبالغة أو التعهد بنتائج محددة، ما يحد من حرية الرسالة الدعائية.
إن النجاح القانوني يتطلب تخصصات دقيقة في مجالات مختلفة، مثل التحكيم التجاري، والقضايا التأمينية، وهذا يفرض على مكتب المحاماة صياغة عروض قيمة مختلفة لكل شريحة عملاء وتجنب الخطاب العام في التسويق.
لذا ينبغي لمكتب المحاماة اعتماد استراتيجيات تسويقية تركز على ترسيخ الثقة، والتخصص الدقيق، مع تقديم تجربة رقمية غنية تُزيل فجوة المعرفة بين المحامي والعميل.
- التقليل من قيمة التسويق القانوني لمكاتب المحاماة
في ظل الصعوبات السابقة، يقع كثير من مكاتب المحاماة في خطأ جوهري هو التعامل مع التسويق على أنه رفاهية يمكن الاستغناء عنها. هذه النظرة تقودنا إلى ثلاث إشكاليات رئيسة:
- رسالة مبهمة وعامة:
تكتفي بتقديم شعارات فضفاضة مثل: خبراء مختصون في القضايا التجارية، أو خبرة لأكثر من 10 سنوات في القضايا العمالية. تعمل هذه النصوص العامة ضد المكتب، لأن هناك آخرين يقدمون ما تقدمه.
- محتوى عام لا يوضح الخبرات الحقيقية:
غياب المحتوى التثقيفي والنجاحات المهنية يقلل من مؤشرات ثقة العميل الضرورية لتعويض عدم القدرة على معاينة جودة الخدمات القانونية قبل التعاقد، مما يتركه مترددًا حيال اتخاذ قرار التواصل لطلب خدمة.
- انعدام قياس العائد على الاستثمار:
دون وجود نظام يتتبع مصدر الاستشارات القانونية، تتحول الحملات الإعلانية إلى ثقبٍ أسود، يلتهم الميزانية ويُعزز الوهم بأن التسويق غير مُجدٍ.
وعليه، لا بدّ أن يتبنّى المكتب منظورًا استثماريًا للتسويق حتى يتمكن من تتبع رحلة العميل منذ أول تواصل معه حتى توقيع العقد، وما بعده. هكذا يصبح التسويق أساسًا إستراتيجيًا يرفع الإيرادات، يمكنك من خلاله ضمان عودة العميل مرة أخرى.
- التركيز على جذب العملاء وإهمال العملاء الحاليين
يُجمع خبراء التسويق على أن تكلفة اكتساب عميل جديد تفوق تكلفة الاحتفاظ بعميل حالي بما يقارب ستة أضعاف.
ورغم ذلك تُوجه مكاتب محاماة كثيرة غالبية ميزانياتها الإعلانية إلى جذب موكلين جدد، متناسية أصولها القائمة. يقتضي هذا النهج على أحد أهم مصادر النمو المستدام وهي المبيعات اللاحقة والتوصيات الشفوية.
فالعميل الراضي لا يكتفي بتجديد التعاقد عند ظهور حاجة قانونية جديدة، بل يصبح سفيرًا للمكتب عبر الإحالة لمحيطه من الأهل والشركاء.
في المقابل، يؤدي إهمال خدمات ما بعد القضية أو الاستشارة – ما بعد البيع- مثل المتابعة الدورية، وتقديم تحديثات تنظيمية، وعروض الاستشارات المخفضة، إلى شعور العميل بأن دوره انتهى فور صدور الحكم أو إغلاق الصفقة، فيتحول من أصل جاذب للإيرادات إلى فرصة ضائعة.
ولتلافي الإيرادات المهدرة ينبغي تقديم برامج ولاء مثل:
- نشرات قانونية موجهة
- مراجعات دورية لوثائق العقود
- امتيازات خاصة للعملاء الدائمين
حتى يتحقق التوازن بين تدفق عملاء جدد وتقديم قيمة دائمة لكل عميل حالي، ثمرة برامج الولاء هو استقرار الإيرادات وترسيخ سمعة مكتب المحاماة في آن واحد.
- كتابة رسائل تسويقية غير مناسبة للعملاء
أبرز مشكلات التسويق القانوني هو وجود رسائل تسويقية غير منسجمة مع احتياجات العميل، ولا تعكس تصوراته الحقيقية عن مشكلته القانونية. فبدلًا من مخاطبة الألم الفعلي الذي يعيشه العميل، مثل الخوف من خسارة قضية مالية أو القلق من تعقيدات نظام العمل؛ تُقدم له رسائل إنشائية عامة لا تطرح حلًا يمكنه من اتخاذ قرار إيجابي في التواصل للحصول على استشارة قانونية.
كما لا تُراعي هذه الرسائل التخصيص، فتظهر وكأنها موجهة للجميع، بينما ينتظر العميل من يُحدد احتياجه ويفهم مشكلته.
بجانب أن بعض الرسائل تعتمد على الترويج لاسم المكتب أو خبرته، دون تحويل هذه الخبرة إلى قيمة واقعية في نظر العميل، تحل مشكلته، أو توفر وقته، أو تقلل مقدار المخاطر المحتملة.
ينتج عن هذا النوع من الرسائل فجوة في التواصل والثقة، إذ لا يشعر العميل بأن المكتب يفهم مشكلته أو يمكنه أن يعبر عنها. لذا لا بد من كتابة رسائل تسويقية أساسها البحث في احتياجات العميل الفعلية، والسياق القانوني الذي يواجهه.
ختامًا
تواجه مكاتب المحاماة اليوم تحديًا حقيقيًا في تحويل الطلب الكامن على الخدمات القانونية إلى علاقات تعاقدية فعّالة. يعود ذلك إلى طبيعة هذه الخدمات، التي يصعب تقييمها قبل الاستخدام، وإلى عدد من الأخطاء التسويقية المتكررة مثل غياب التخصص، وتقديم رسائل عامة لا تخاطب مشكلات العملاء الحقيقية، فضلًا عن إهمال العملاء الحاليين رغم أنهم يمثلون أصلًا تسويقيًا طويل المدى.
ناقشنا في هذا العدد السمات الفريدة التي تجعل تسويق الخدمات القانونية صعبًا، وبينا أبرز الممارسات التسويقية الخاطئة، وطرحنا حلولًا عملية تعمل على بناء منظومة تسويقية قائمة على التخصص والثقة والاستمرارية.
هل أنت مستعد لصناعة هوية قانونية تُلهم الثقة وتجذب العملاء؟
إذا كنت ترى أن مكتبك يعاني من إحدى الإشكاليات التي ناقشناها، فقد جاء الوقت لإعادة ضبط البوصلة التسويقية لمكتبك. احجز استشارة مجانية معنا لتحليل نقاط القوة والضعف في هويتك الرقمية.
تواجه ضعفًا في الحفاظ على عملائك؟
